انتصار طالبان وبسط سيطرتها على أفغانستان يسلط الضوء على أولويات الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة

انتصار طالبان وبسط سيطرتها على أفغانستان يسلط الضوء على أولويات الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة

  • انتصار طالبان وبسط سيطرتها على أفغانستان يسلط الضوء على أولويات الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة

اخرى قبل 3 سنة

انتصار طالبان وبسط سيطرتها على أفغانستان يسلط الضوء على أولويات الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة

الدوحةـ«القدس العربي»: لفت تسارع وتيرة الأحداث في أفغانستان أنظار العالم، ووجه إليها عدسات الكاميرات، واعتلت الأخبار الواردة من كابول، ومدن البلد الذي أنهشته الحروب والمعارك وصور الدمار، الصدارة.

الكل يترقب الخطوة التالية لحركة طالبان التي تصدرت واجهة الأحداث، والجميع يتطلع إلى الإشارات التي يرسلها قادتها، وجلهم لم تكن حتى صورهم معروفة للرأي العام، والتأكد ما إن كانت طالبان العشرية الماضية، ذاتها التي يتجول رجالها وقادتها ورؤوسهم مرفوعة في الشوارع، أو لدى جلوسهم على كرسي الرئيس السابق أشرف غني الفار بأموال منهوبة إلى منفاه في أبو ظبي الإماراتية، هي ذاتها التي تخطط للعب أوراقها في البلد المدمر، أم أنها تغيرت .
يشير مركز «سترافور» الاستخباراتي (الذي يقدم على أنه مقرب من الاستخبارات الأمريكية) أنه في الوقت الذي تتطلع فيه طالبان لإضفاء الطابع الرسمي على سيطرتها على أفغانستان وتسعى إلى شرعية محلية ودولية، فإن الوضع يطرح العديد من الأسئلة خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، فيما ستشكل إجاباتها المرحلة التالية من الوضع الأفغاني.
ويشدد الباحثون أنه لابد من النظر إلى أن أفغانستان ما تزال مجتمعا عرقياً وقبلياً معقداً له مصالح محلية، وتتطلب السيطرة عليه على المدى الطويل نفوذاً كبيراً وقدرة عالية على استخدام القوة. فقومية الباشتون التي ينحدر منها معظم مقاتلي طالبان تشكل أکثر من 62 في المئة من التركيبة السكانية للمجتمع الأفغاني، وبعضها تحددها عند نحو نصف تعداد الشعب الأفغاني. وهي من أبرز المعادلات التي لم تأخذها بعين الاعتبار الولايات المتحدة والقوات المتعددة الجنسيات التي راهنت على تيارات هامشية، وسعت لفرضها على المجتمع.
وما يفسر سرعة انهيار القوات الحكومية بعد ساعات من مغادرة ما تبقى من الجيش الأمريكي، هو تغلغل الحركة في الأوساط الاجتماعية، واعتبارها عنصراً أساسياً وليس دخيلاً، فكان الولاء لها أكثر من أي جهة أخرى.
وركز باحثون من صحيفة «الغارديان» البريطانية على موازين القوى، وكانت دهشتهم كبيرة من قدرة نحو 80 ألف من مقاتلي طالبان، على تعزيز كفتهم، مقارنة بـ300 ألف و699 جنديا بالاسم يخدمون الحكومة الأفغانية، ومع ذلك فقد تم اجتياح البلاد بأكملها فعلياً في غضون أسابيع، بينما استسلم القادة العسكريون دون قتال في غضون ساعات.
وأضافت أنها فعلاً حكاية جيشين، أحدهما ضعيف التجهيز ولكن لديه دوافع إيديولوجية عالية، والآخر مجهز بشكل جيد من الناحية الشكلية، ولكنه يعتمد على دعم الناتو، وقيادته سيئة وينخرها الفساد.

الحكام الجدد للبلاد

الانسحاب المعلن مسبقا للقوات الأجنبية من أفغانستان بعد حوالي 20 عاماً من بدء أطول حرب أمريكية، ساهم إلى حد كبير في زعزعة الثقة في الإدارة المدعومة من الغرب في كابول وشجع الناس على الانشقاق.
فلم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام فقط، قبل أن تنهار القوات الحكومية المدعومة غربياً، وتجتاح حركة طالبان أفغانستان، وتسيطر على الأراضي التي كانت غائبة عن سيطرتها الفعلية، إضافة لعواصم الأقاليم الكبرى من دون حتى إطلاق رصاصة واحدة.
وانقسمت شاشات المتابعات لما يجري في كابول، بين أنباء الانهيار العسكري للجيش الأفغاني، وكانت على الجانب المقابل صور مقابلات زعماء طالبان وهم داخل القصر الرئاسي، أو في الشوارع الرئيسية.
استيلاء حركة طالبان السريع على السلطة في أفغانستان دلالة على أنه لن يكون بوسع الأطراف الفاعلة في المنطقة من الآن فصاعدا الاعتماد على القوة الأمريكية الآخذة في التراجع.
ويعزز قناعة العديد من الأنظمة السياسية العربية أن الدور الأمريكي في العالم العربي والإسلامي، في تراجع.
واعتبر محللون الانسحاب الأمريكي درساً فتح أعين الجماعات المتحالفة مع واشنطن، وبعث رسالة مفادها عدم الاعتماد على واشنطن كحليف. وأن الولايات المتحدة ترسم في المرحلة المقبلة سياسات مختلفة، وجهودها توجه حالياً نحو مناطق أخرى، ليس أقلها نفوذ الصين المتعاظم، ثم تغلغل روسيا في مناطق النفوذ في عدد من المحاور.
وما تزال عشرات الأسئلة بلا إجابة رسمية واضحة، تطرح في العاصمة الأمريكية واشنطن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكلفة المادية. وتنقسم تكلفة الحرب إلى شق يتعلق بالخسائر البشرية، وآخر يرتبط بالتكلفة المادية.
وكلفت حرب أفغانستان الخزانة الأمريكية حتى الآن حسب تقرير أصدره «مشروع تكاليف الحرب» في جامعة براون، ما لا يقل عن 2.261 تريليون دولار، أي ما يقرب من 16 ألف دولار لكل دافع ضرائب فدرالي.
لكن التقرير يشير إلى أن هذه التكاليف هي أقل من الواقع، لأن الأرقام لا تشمل الأموال التي يبقى دفع تكلفتها فيما يتعلق بتكاليف الرعاية الصحية المستقبلية لقدامى المحاربين في أفغانستان ولا مدفوعات الفائدة المستقبلية على الأموال التي تم اقتراضها لتمويل بقاء القوات الأمريكية هناك لما يقرب من 20 عاما.
ويقدر التحليل أن 241 ألف شخص لقوا مصرعهم في حرب أفغانستان، من بينهم 2442 من أفراد الجيش الأمريكي، وانتحار أضعاف هذا الرقم.
إضافة إلى مقتل ما يقرب من 4 آلاف متعاقد أمريكي، كما أشارت إلى مقتل 1150 شخصا بين عسكريين ومتعاقدين من دول التحالف الدولي، إضافة لمقتل نحو 141 ألف أفغاني، من بينهم 43 ألفا من عناصر طالبان، وما يقرب من 60 ألفا من عناصر الشرطة والجيش الأفغاني، إضافة إلى 38 ألف مدني أفغاني. ونجم عن الحرب إصابة ما يقرب من 40 ألف أمريكي، إضافة إلى مئات الآلاف من الأفغان.

طالبان النسخة الجديدة

مضت تحليلات وقراءات مراكز الأبحاث بعد استعراض الواقع الجديد الذي أفرزه قرار انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، إلى وضع الحكام الجدد للبلاد في مجهر البحث.
وتسعى طالبان إلى تشكيل سردية حول وصولها إلى السلطة باعتبارها حقا مشروعا، وهي رسالة مهمة إلى الداخل الأفغاني والخارج.
كما تتطلع طالبان لإضفاء الطابع الرسمي على سيطرتها على أفغانستان وتسعى إلى شرعية محلية ودولية. وتقدم قيادات الحركة صورة مختلفة عن المشهد الذي سجل عليها في نسختها القديمة تسعينيات القرن الماضي.
وخلال حديث سابق لقيادي من الحركة مع «القدس العربي» يشدد المسؤول أن طالبان تستخلص الدروس من تجاربها السابقة، وستكون أكثر انفتاحاً على محيطها، وتستوعب الجميع، في إطار مرجعيتها الأساسية أي نصوص الشريعة.
ومؤخراً تعلن الحركة أنها تريد علاقات سلمية مع الدول الأخرى، وتؤكد أنها ستحترم حقوق النساء في حدود مبادئ الشريعة الإسلامية، وهي تبدي مواقف أكثر ليونة مما كانت عليه خلال حكمها قبل 20 سنة.
وتحاول طالبان في نسختها الجديدة تبديد الصورة القديمة عنها خلال حكمها لأفغانستان من عام 1996 إلى عام 2001 في ظل الشريعة الإسلامية، وكل المشاهد عن منع النساء من العمل وفرض عليهن عقوبات تصل إلى الرجم العلني، أو حظر الفتيات من الذهاب إلى المدارس وفرض ارتداء البرقع على النساء.
ويشدد ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان في أحدث تصريح أنه سيُسمح للنساء بالعمل والدراسة وسيكن «نشطات للغاية في المجتمع لكن في حدود مبادئ الشريعة الإسلامية». وظهر مسؤولون من طالبان في مقابلات تلفزيونية مع صحافيات ومذيعات لم يكن يرتدين البرقع، ومشاهد لم تكن مألوفة لهذه الحركة التي توصف بالتشدد.

مفاوضات الدوحة مستمرة بالرغم من تشويش أبوظبي

ما تزال الأنظار معلقة على مفاوضات الدوحة، حيث جرت النقاشات والجلسات، لرسم مستقبل أفغانستان، والبحث عن حلول للمشاكل الحالية، والدفع نحو إحلال السلام في البلد المنهك بالحروب.
وأصبح مكتب طالبان الموجود في العاصمة القطرية الدوحة، جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجية الولايات المتحدة للتفاوض على الانسحاب من البلاد في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وحافظت قطر على اتصالاتها مع طالبان خلال فترة حكمها السابقة، ولكنّها لم تقم علاقات دبلوماسية معها على غرار السعودية والإمارات وباكستان.
ومع ذلك، رأت طالبان في قطر التي تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، مضيفاً محايداً، وهو ما أكده الباحث في معهد «رويال يونايتد سيرفيسز» توبياس بورك، من أنّ الدوحة «كانت في قلب هذا المسار الدبلوماسي لفترة طويلة، ولم يكن ذلك ممكنا من دون تقارب جيد مع كافة الأطراف».
وأوضح «المحادثات التي جرت، الصفقة التي أبرمتها إدارة ترامب مع طالبان العام الماضي، كل ذلك تطلب وجود هذه المساحة السياسية.»
وبموجب اتفاق شباط/فبراير 2020 وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها على سحب القوات في مقابل ضمانات أمنية من طالبان، بالإضافة إلى التزام المتمردين التفاوض مع الحكومة التي انهارت مع سيطرة الحركة على البلاد.
ويعول كثيراً على الدور القطري في إنجاح مفاوضات مرحلة ما بعد سيطرة طالبان على مقاليد الحكم، للتوصل لتفاهمات تساهم في التوصل لتوليفة حكم تستوعب الجميع.
لكن محللين يخشون من التشويش الذي قد تمارسه أطراف خارجية، على غرار الإمارات العربية المتحدة التي تستضيف الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، الذي وفرت له اللجوء مع أمواله المهربة، والتي يخشى أن توظف في مسارات تخريبية للتوافقات الحالية.
وتنطلق التقارير التي ترى بعين الشك للدور الإماراتي، من محاولات حكام أبو ظبي التشويش على أي مسعى تقوم به الدوحة لإحلال السلام في أفغانستان، حيث يقتنع الجميع أن الإمارات تلعب دوماً أدواراً تخريبية في عدد من المناطق والدول.

التعليقات على خبر: انتصار طالبان وبسط سيطرتها على أفغانستان يسلط الضوء على أولويات الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة

حمل التطبيق الأن